الخميس، ١٣ سبتمبر ٢٠٠٧

2- النظر إلى محاسن الوجود :

1- أخذ علينا العهود أن نرى نفوسنا دون كل جليس من المسلمين ولو بلغ ذلك الجليس فى الفسق إلى الغاية ، فنرى نفوسنا أفسق منه ... ، لأن من شهد مساوئ الخلق استهان بحقوقهم وعدم الانتفاع بهم ، وما أمرنا الشارع إلا بأن ننظر إلى محاسن الوجود فقط ، وإن وقع بصرنا إلى مساوئ أحد استغفرنا الله ونهيناه عن ذلك مع شهودنا أننا دونه فى الرتبة ، فلم يوجب الشارع علينا إلا نهى العصاة فقط ، أما احتقارهم فنهانا عن ذلك أشد النهى كما ثبت فى السنة الشريفة ... وليس لنا باب ندخل منه إلى ازدراء الناس إلا وقوعهم فى المعاصى لا غير ، ومن صار ينظر إلى محاسن الوجود دون مساويهم انسد عنه باب ازدرائهم . وما ثم أحد من الناس إلا وهو مشتمل على محاسن ومساوئ ما عدا الأنبياء والملائكة ، ولكن الكامل ملآن من شهود نقائصه ، ولا يكاد يقع بصره على عورة أحد من خلق الله عز وجل ، ولذلك قل إنكار العارفين لأنهم يشهدون المحاسن ويحملون الناس على أحسن المحامل ، ويظن من لا يعرف حالهم أنهم يسكتون عن المنكر . وأقل ما تشهد من محاسن العاصى أنه لولا تحمل تلك القاذروات التى نزلت على الخلق لربما كنت أنت المرتكب لها بحكم القبضتين ، إذ لا بد للمعاصى من فاعل . وكل من تحقق بهذا العهد وشهد نفسه دون كل جليس يصير الوجود كله يمده لأنه فى مرتبة الشيخ له ، وانحدر إليه المدد من كل شىء فى الوجود فلا تحصى شيوخه ولا تعد مواهبه ، لأن ما ثم شىء فى الوجود إلا وقد ظهر بخصيصة خصه الله بها ، فيأخذ من الكلب مثلا كثرة الود واحتمال الأذى والجفا من صاحبه ، ويأخذ من الجمل أو البغل الصبر على تحمل الأثقال ، وصاحب الكشف من الفقراء يرى كل ما فى الوجود من الجمادات حيا فيصح له الاعتبار ، فيأخذ من الحجر والحديد مثلا الصبر والتحمل ، ومن فتح بابا فتحت له أبواب ، وحكم المدد حكم الماء ، والماء لا يجرى إلا فى السفليات . (البحر المورود ، ص 8 - 12) .

ليست هناك تعليقات: