الاثنين، ٢٩ أكتوبر ٢٠٠٧

27- من خير الناس :

خير الناس من جلس بنفسه على أسفل رتب الخلق أجمعين ، ولم ير له مقاما سواء كان الوصول إلى هذه الدرجة بواسطة الطاعات ، أو بواسطة المعاصى كما قال الشيخ تاج الدين بن عطاء الله : ((من لم يقبل على الله بملاطفات الإحسان ، قيد إليه بسلاسل الامتحان)) . فمن طاب عنصره لا يحتاج إلى أن يبتلى بمعصية ، فإن التكاليف تذل نفسه إلى الغاية كما عليه الأنبياء وكمل أتباعهم . ومن لم يطب عنصره كآحاد الناس يحتاج إلى ابتلائه بالمعاصى لوقوعه فى العجب والكبر بالطاعات ، وكان سيدى أبى الحسن الشاذلى رحمه الله يقول : معصية أورثت ذلا وانكسارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا (البحر المورود ، ص 46-47 ، والنظر هنا للمعصية من حيث الرضا بالقضاء والقدر والتسليم له ، مع وجوب الاستغفار منها من حيث الكسب كما نبه عليه سيدى الشعرانى ص 48) .

26- أدب الداعى :

لا يصح للداعى تقويم المعوج إلا أن رأى نفسه دونه ، فإن رأى نفسه فوقه أو مساويا لم يقدر على تطويل روحه على تقويم المعوج أبدا ، ولا يتحقق الداعى منا بشهوده نفسه دون المعوجين ذوقا إلا إن وقع فى جنس ما وقعوا فيه ولو مرة واحدة . قال سيدى على الخواص : كل فقير لا يقع فى المعاصى فى بدو أمره لا يصلح للإرشاد لكون العبد إذا وقع فيه يصير يقيم المعاذير للخلق ويرحمهم بخلاف إذا لم يقع ، وأعلى ما يصل إليه المريد من ذل النفس بعد طول المجاهدة والرياضة دون ما يصل إليه أصحاب الذنوب الذين اندبغت نفوسهم بالذل من كثرة وقوعهم فى القضاء والقدر ، ويسألون الإقالة منها فلا يقالون ، فإن هؤلاء معدون من أهل التسليم لا من أهل النزاع . وتأمل ذل نفوسهم بين يدى أقل الناس تجدهم على أخلاق أعلى وأشرف من أخلاق غالب العلماء ، وهذه الصفات كانت هى الحقيقة مجال العالم ، لأن العلم إذا لم يزد صاحبه تواضعا وذلا فهو وبال (البحر المورود ، ص 44- 45 ، والنظر هنا للمعصية من حيث الرضا بالقضاء والقدر والتسليم له ، مع وجوب الاستغفار منها من حيث الكسب كما نبه عليه سيدى الشعرانى ص 48) .

25- أدب الداعى إلى الله :

الواجب على كل داع إلى الله أن يظهر البشاشة والمحبة لأهل الكبائر ما أمكن ، لأن ذلك أسرع لانقيادهم وتقويم عوجهم ، وقد جهل هذا من هجرهم ، وبعد عنهم ، وأنف من مجالستهم ، ومواكلتهم وخلطتهم فى مواضع تنزهاتهم لا سيما إن قطب فى وجوههم وازدراهم ووبخهم فى المجالس ، فإنهم ينفرون منهم بالكلية فيكون من قطاع الطريق عن الله عز وجل ، لكون الهجر من الكلام يوحش قلوبهم ، وكذلك يصير بازدرائهم معدودا ممن خان الله تعالى ورسوله ، فإن الله تعالى قد أمن علماء الشريعة على عباده وأوجبوا عليهم أن لا يتركوهم يتمادوا فى غيهم ... وكن يا أخى متخلقا بالرحمة والشفقة عل خلق الله ، واستر فضائحهم ، فإن الله تعالى ستير ويحب من عباده الستيرين ، وربما يقيض الله تعالى لك من يقومك عند الاعوجاج ويرحمك ويشفق عليك ويستر فضائحك ، بخلاف ما لو فعلت الضد ، فخالط أصحاب الأخلاق السيئة ، ثم لا تزال تسارق أحدهم ، وتقوم عوجه شيئا فشيئا ، بالتبغيض فى تلك الأخلاق السيئة ، وإسماعه ما فيها من المفاسد فى الدنيا والآخرة حتى يكون هو المبادر لتركها . وأما إذا هجرتهم ونفرت منهم فمن يقوم عوجهم ، فأصحاب الذنوب والأخلاق السيئة ضالة كل داع إلى الله ، ولو أن الداعى تركهم يتمادون فى غيهم أخذه الله بهم يوم القيامة (البحر المورود ، ص 42- 44 باختصار ، وتصرف يسير ، ، والنظر هنا للمعصية من حيث الرضا بالقضاء والقدر والتسليم له ، مع وجوب الاستغفار منها من حيث الكسب كما نبه عليه سيدى الشعرانى ص 48) ، قال مقيده عفا الله عنه : ومحل الكلام سيدى الشعرانى كما هو واضح فى العلماء الدعاة إلى الله فهذا الأدب لهم ، أما سائر الناس فأدبهم مع أهل المعاصى هجرهم مع عدم كراهيتهم بل كراهة معصيتهم ، وبكلا الأدبين أتت السنة الشريفة ، والله أعلم .

الخميس، ٢٥ أكتوبر ٢٠٠٧

24- الأدب أن لا يشهد العبد نفسه مساويا لأحد :

الأدب أن لا يشهد العبد نفسه مساويا لأحد ، ولو كان من أتقى الناس ، فيستعظم صغيرة نفسه ويستصغر كبيرة غيره (يعنى فى عينه ، وليس المراد أن يستصغر ما كبره الشرع ، والمراد أن يرى المرء نفسه أن ما يأتيه من الكبائر الباطنة التى لا يطلع عليها إلا الله أعظم مما يأتيه العصاة من الكبائر والذنوب الظاهرة) ، ونرى أنفسنا أكثر ذنوبا ومعاصى منهم . قال سيدى على الخواص : أصل نفرة الناس من أصحاب الكبائر عماهم عن مساوئ نفوسهم ، ولو أنهم نظروا بعين البصيرة ، لرأوا نفوسهم مشاكلة لكل عاص على وجه ، لما هى منطوية عليه من الذنوب العظام ، التى لو اطلع عليها المعتقدون لهم لرجموهم وفروا من صحبتهم . وقال الشيخ أفضل الدين : والله الذى لا إله إلا هو ما أعلم أنه خطر لى قط خاطر يخرجنى عن جملة الفساق (يعنى لم يخطر على باله قط أنه صالح أو ولى أو عارف ، بل لا يخطر على باله إلا أنه من جملة الفساق) . يقول الشعرانى : حتى صار لا يرى له وجها عند الله ، ولا عند أحد من خلقه ، وذلك من أعلى صفات العبودية . فعلم أن كل من نفرت نفسه من أصحاب الكبائر فهو أسوأ حالا منهم ؛ لأنه ما نفرت نفسه حتى رآها خيرا منهم (البحر المورود ، ص 41 – 42 ، باختصار وتصرف وإضافة ما بين الأقواس للتوضيح) .

23- حق الخصوم علينا :

أخذ علينا العهود أن نقدم فى التردد والزيارة من يكرهنا ويحط علينا على من يحبنا ويزورنا ، لأن فى ذلك من رياضة النفوس وصلاحها ما لا يخفى ، وفيه أيضا تطييب خاطر من يكرهنا حتى لا يكرهنا ، وفيه أيضا حفظه من الوقوع فى الإثم (البحر المورود ، ص 41) .

22- الوفاء بالحقوق أولا :

أخذ علينا العهود أن ننظر دائما للذى علينا من حقوق الله تعالى ، والعباد ، هل وفينا بها أم لا ، ولا ننظر قط للذى لنا إلا على وجه الشكر فقط ، وذلك لنكون معترفين لله تعالى بالحجة البالغة علينا ، ونتوب إليه ، ونستغفره مما جنيناه (البحر المورود ، ص 40) .

السبت، ٢٠ أكتوبر ٢٠٠٧

21- من شرط العارف :

لا يخفى أن من شرط كل عارف أن يرى نفسه قد استحقت الخسف لولا عفو الله تعالى ، وقد طلب جماعة من الفقراء كرامة من سيدى عبد العزيز الدرينى ليقوى يقينهم ويأخذوا عنه الطريق ، فقال : يا أولادى وهل بقى لأمثالنا على وجه الأرض اليوم كرامة أعظم من أن الله تعالى يمسك الأرض ، ولا يخسفها بنا مع استحقاقنا الخسف من سنين عديدة (البحر المورود ، ص 40) .

20- قاعدة فى فهم الكتاب والسنة :

أخذ علينا العهود أن لا نقطع قط بشىء علمناه من الكتاب أو السنة من طريق الاستنباط وإنما نقول الذى فهمناه من هذا الكلام ، وذلك ليكون الباب مفتوحا لمذاهب المجتهدين وإذا كنا نجهل كثيرا من معانى كلام جنسنا من البشر ، فكيف بكلام رب العالمين (البحر المورود ، ص 39)

الأربعاء، ١٧ أكتوبر ٢٠٠٧

19- الحضور مع الله :

الحضور مع الله : كان الشيخ أفضل الدين رحمه الله يقول : من حضر بقلبه مع الحق تعالى عند الوجد ، وفقده عند السلب فهو مع نفسه غيبة وحضورا ، وإيضاح ذلك أن العلم والعمل والمعرفة غير الحق تعالى بيقين ، وغير الحق إذا مال إليه العبد نقص من عبوديته للحق بقدر ما مال إليه ، لكن لا بد من مسامحة المريد بهذه العبودية لترقيه إلى المقصود بالذات فتأمل (البحر المورود ، ص 39) .

18- كل ما تعلق به المرء فهو عبده :

كل ما تعلق به المرء فهو عبده : قال سيدى على الخواص : كل ما تعلق به خاطر العبد ووقف معه فهو عبده : ((تعس عبد الدينار والدرهم والخميصة)) الحديث ، وقال الشيخ أفضل الدين : كلما عسر عليك فراقه فأنت عبده حتى عملك وعلمك ومعرفتك لأن هذه الأمور إنما جعلها الحق تعالى وسائل لا مقاصد (البحر المورود ، ص 39) .

17- الغيرة المحمودة :

الغيرة المحمودة هى التى تكون لله لا على الله ، فإن الغيرة على الله نقص وتحجير على الحضرة الإلهية ، ولو كمل العبد لم يغر على الله ، وأشغل كل موضع بقلبه بما يناسبه فيجعل محبة الحق تعالى وسط القلب ، ومحبة رسول الله مما يليها ، ومحبة شيخه مما يلى ذلك ، وهكذا ، فلا مزاحمة فى قلب العارف فى شىء ، ولذلك سمى أبو العيون . (البحر المورود ، ص 38-39) .

16- حب الدنيا :

أخذ علينا العهود أن لا ندع شيئا من محاب الدنيا يقيم فى قلبنا سواء كان ولدا أو زوجة أو متاعا أو صاحبا أو شهوة ، أو غير ذلك لأن الحق غيور لا يحب أن يرى فى قلب عبده المؤمن محبة لسواه (البحر المورود ، ص 38) .

الأحد، ٧ أكتوبر ٢٠٠٧

15- الإخلاص :

أخذ علينا العهود أن نخلص التوحيد لله تعالى فى الأفعال والأقوال والملك والوجود كل مرتبة بشروطها المعروفة بين أهل التوحيد ، ولا نضيف لأحد من الخلق نفعا ولا ضرا ، ولا حلا ولا ربطا ، ولا نقول قط : لنا ، ولا معنا ، ولا عندنا ، إلا على سبيل المجاز ، والنسيان ، لأن ذلك كله معدود من الشرك الخفى وقد قال تعالى {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا} فنكَّر الشىء ولم يعين شيئا دون شىء فافهم (البحر المورود ، ص 38) .

14- رابطة الشيخ :

اعلم أن ربط قلبنا بشيخ ينفع ، وإن لم يكن الشيخ أهلا لذلك ، فكيف إذا كان أهلا ، وأعظم دليل على ذلك كون الظمآن يجد الحق تعالى عند الشراب الذى ليس بشىء ثابت ، فكيف يُفْقَد عند أكبر أوليائه وصالح عباده إذا قصدهم قاصد ، وذلك لأن الحق تعالى يستحى من عبده أن لا يكون عنده فى كل مكان قصده ولذلك قال {وهو معكم أين ما كنتم} إعلاما لنا بذلك ، لا سيما من اشتهر بالصلاح والولاية فيقضى الله الحوائج على اسمه وبواسطته ، وليس عند الله بشىء صيانة لجنابه الكريم أن يخذل من انتسب إليه ولو بالدعوى (البحر المورود ، ص 37) .

13- العارف من لم يتعد قدره :

واعلم أنك لو كنت من مشايخ الزمان الذين تصدروا للإرشاد والتربية فأنت قاصر عن رتبة هؤلاء الأولياء أصحاب الدوائر الكبرى كالسيدة نفيسة وسيدى أحمد البدوى وسيدى إبراهيم الدسوقى وسيدى شرف الدين الكردى وسيدى عبد الله المنوفى ، وقد وقع للشيخ شمس الدين بن كتيلة المحلى أنه قال : لله رجال مثل أحمد البدوى ، يشير إلى نفسه ، وكان يأكل سمكا فدخلت شوكة جوفه ، فلم يستطع أحد أن يخرجها بدهن ولا غيره ، فمكثت فى حلقه سنة كاملة وهو متألم لا يتلذذ بأكل ولا شرب ، فقال له رجل من الفقراء : هذه من سيدى أحمد ، فسافر إليه ، فلما سافر ودخل القبة وجلس يقرأ سورة يس إذ عطس فخرجت الشوكة مغمسة دما فقال : تبت إلى الله يا سيدى أحمد واعترف بنقصه عن مراتب الرجال . والعارف من لم يتعد قدره (البحر المورود ، ص 36- 37 باختصار وتصرف) .